على مدار الساعة

اللونية في ميزان اجتماعي / الشيخ الحسن البمباري

06/18/2021 - 11:46

إستهلال : 

(إن قوة متسلطة، تدعمها ذاكرة تاريخية مسهبة ودليل حالي، كافية لخلق ثقافة الإرهاب المتبقية في تدجين توقعات الأغلبية إزاء بدائل مختلفة لبدائل الأقوياء).
نعوم تشومسكي، الدولة المارقة.

 

* * *

يبدو أن اللون عاد للواجهة من جديد مع العلم أن القضية الأم لا علاقة لها عمليا باللون بل هي جريمة اغتصاب بشعة ومستنكرة ومشجوبة ويستحق مرتكبها أقصى وأقسى العقوبات أينما كان وكيف ما كان لونه، معززة بتبعات جريمة قتل جورج فلويد التي حركت آمريكا والعالم.

أما عن اللون ذاته، "فحدجة لحمار" (الحنظل) الذي يضرب به المثل في مرارة الطعم، فهي زاهية الألوان جميلتها، ومع ذلك لا تنعكس ألوانها على قيمتها إطلاقا.

 

ثم إن اللون كبنية خطابية وسلطة تحدد مكانة معينة بقية دائما في إطار الطبيعة ما لم يدخل عليه وصم مجتمعي معين،" ابيض، أسود، ...الخ". بما تحمله هذه التسميات من مكانة محددة بشكل اجتماعي بحت ومرتبط بالجريمة ذاتها.

 

لقد حمل اللون شحنة سلبية جدا ضد الجميع درجة أن أصبح عنصرية مطلقة وقد قنن استخدام اللون في بعض دول العالم مخافة أن يصبح جزء من التحيزات الاجتماعية التي تغذي مهماز الاجتناب الاجتماعي، كما يحدث في آمريكا حيث يمنع استخدام كلمة لونية بعينها ليتعارف عليها ب " the word N".

 

وتخضع هذه الكلمة لكل معايير الصرامة القانونية والاجتماعية والسياسية حيث تحرم بروتوكوليا على المسؤولين والموظفين من درجات معينة والشخصيات العامة، وربما هذه الحالة منتشرة بشكل كبير في مختلف دول العالم التي تعيش تعددية مجتمعية ذات صلة بأزمة الألوان والإثنيات

 

.
في موريتانيا لا يختلف الموضوع كثيرا، فاللون هوية بطريقة معينة خاصة للذين خانهم التاريخ في بعده الكتابي، فأصبحت الألوان لوحدها تتحدث، وعلى أساسها بات بعض الاشخاص يخضعون أيضا لتقييم مجتمعي، بل ويُطالبَون بالانتحياز على أساس اللون بصفته رابطة عاطفية وهوية إثنية بطريقة شعورية ولا شعورية.

 

وبين الترهيب "بالانبطاح والعنصرية" تحول اللون إلى فزاعة تقضي بشكل تدريجي على كل ما هو جامع ووطني وتعزز ما هو اثنيني تفتيتي بالنسبة لكل مساهم في تأثيث الفضاء العام ومهما كانت طبيعة مساهمته، فالمطالب السياسية في الوقت الراهن تلبس لبوسا إثنيا أو طائفيا بشكل جلي (مطالب حقوقية)، في كل طرف " الميثاق، أجعبن، حراك لمعلمين، إيرا، وحتى تجمع الفنانين التقليديين، وأفلام، ولا تلمس جنسيتي...إلخ" كلها تحركات تستظل اليافطة الإثنية لتحقيق أو الحفاظ على مكاسب سياسية بحتة في زمن تتأكد الهوية التعددية "بمعنى الهوية المفتتة لما هو موحد" للدولة، أي أن الدولة الوطنية ستصبح مهددة بشكل بارز في المرحلة القادمة مالم يقدم مشروع سياسي قليل الدسم الإثني خالي الأملاح الإيديولوجية، سالب المطامع الشخصية والمصالح الذاتية، "وهذا في وقتنا الراهن يعد حلم "يوتوبيا" مستحيل التحقق"، أو أن تتعرض الدولة لا قدر الله لأزمة توحد للمشتت كما هو الحال 《نسبيا》 مع الانفلات الأمني المخيف وجائحة كورونا.

 

يرى  ابن خلدون استحالة توازن العلاقة بين "القبيلة والدولة" والسلطان والتجارة" ((إن الأوطان كثيرة القبائل يستحيل أن تستحكم فيها الدولة)، (إذا مارس السلطان التجارة فسد الحكم وفسدت التجارة))، يمكن الملاحظة بوضوح أن هذه التحذيرات هي بالضبط ما تصنع واقعنا السياسي الآن، فالسلطان جزء ضروري في أي صفقة اقتصادية بل يستحيل إتمامها من دونه بأي طريقة، كما أن السياسة ذاتها هي عملية توزيع وتوازن قبلي بادي للعيان وهو ما سيعزز الخطاب المضاد أو اللوني حسب البعض، باعتبار عدم مشاركتهم في منافع المجال العام من ريع كان يجب أن يكون موجها للتنمية ولكنه يظهر كنعمة على البعض دون الآخرين.

 

يقال في الحسانية عن "لجرب إحكلو ألا فمو" أي أن الشرائح التي لا تجد نفسها ولا تنعكس لها صورة مشاركة حيوية في الجسم السلطوي للدولة، ستشعر حتما "بنقص كبيرة وحكة مستمرة" لا شفاء لها الا بالشراكة الفاعلة في صناعة القرار الوطني والظهور الحقيقي كجزء من بنية الدولة التي تقوم على مبدأ الشراكة والتساوي في الفرص، أو أن الثورة ستكون هي الحل.

 

والثورة -مهما كانت دوافعها- إن قامت لا يمكن التعويل اطلاقا على نتائجها ولا حتى ضمان أنها ستكون انتقالا آمنا للوطن، سواء بالنظر إلى الطبيعة التعددية لموريتانيا وتجاربها السابقة أو بالمقارنة مع ثورات الربيع العربي التي ما زالت نيرانها مستعرة في كل مكان تقريبا.

 

للعبرة: 
"ليست كل لجنة (بنية) أخلاقية هي فعلا أخلاقية" إيرين شيبر.